القراءة منهج حياة

كثيرا ما نسمع بعض الناس يسأل: " ما هي هوايتك "؟ ويرد بأنه كثيرا ما يستغرب أن يكون رد إنسان ما على هذا التساؤل بالقول: " أنا هوايتي القراءة ". وتبرير ذلك أن القراءة ليست هواية!! بل يجب أن تكون القراءة هي " منهج حياتك ".
ويقول مؤلف كتاب القراءة منهج حياتك : إن مما يدعو للتفكير أن تكون الكلمة العظيمة التي بدأ بها الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم هي: ﴿ اقْرَأْ ﴾ ] العلق: 1 [. كان من الممكن أن يبدأ الوحي بأي كلمة أخرى غيرها. ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم أميّ لا يقرأ، إلا أن هذه الكلمة تُوجه له!! إذن فقد بدأ الوحي خطابه لخاتم الرسل بأمر صريح مباشر، مختصر في كلمة واحدة تحمل منهج حياة أمة الإسلام ... ﴿ اقْرَأْ ﴾!!
ثم نسأل بعد ذلك: " لماذا نقرأ "؟ و " هل القراءة وسيلة أم غاية "؟ والإجابة عن هذا هو أن القراءة وسيلة، كما أننا نقرأ لكي نتعلم. وقد وضح الله – عز وجل – ذلك في الآيات الخمس الأولى من القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ اْلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ اْلأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ ] العلق: 1 - 5 [.
وقد حدد الله تعالى لنا في هذه الآيات الخمس ضابطين مهمين للقراءة:
o الأول : من قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ نتعلم أنه لابد أن تكون القراءة بسم الله. فلا يجوز أن نقرأ ما يُغضب الله، أو ما نهى الله عز وجل عن قراءته.o والثاني : هو ألا تُخرجك القراءة ولا العلم عن تواضعك. فلا تتكبر بالعلم الذي علمت. بل تذكر على الدوام أن الله – عز وجل – هو الذي منّ عليك به ... ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ اْلأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ فهو الذي ﴿ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾. فليعلم القارئ أو المتعلم – مهما وصل إلى أعلى درجات العلم في زمانه – أن الله عز وجل هو الذي علمه.
كما سطرت لنا السيرة موقفا آخر رائعا غريبا جدا على الزمن الذي حدث فيه، بل وعلى غيره من الأزمنة، حتى زماننا!! إنه موقف فداء الأسرى في بدر. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من الأسير المشرك الذي يريد فداء نفسه من الأسر تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة!! هذا شيء غريب جدا، وخاصة في ذلك الزمن الذي انتشرت فيه الأمية. لكن القراءة والكتابة والتعلم احتياجات ضرورية لأي أمة تريد النهوض والتقدم والرقي!!
ومن مواقف السيرة كذلك، أننا نجد أن الصحابي الذي يستطيع القراءة كان يُقدّم على أصحابه. انظر إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه، الذي قُدم على كثير من الصحابة، وصار ملاصقا للرسول صلى الله عليه وسلم بصفة شبه دائمة لأنه يُتقن القراءة والكتابة. وكلنا يعرف أبا هريرة رضي الله عنه، وكيف كان حفظه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لهذه المواقف – ولغيرها – غُرس حب القراءة في قلوب المسلمين. وكانت المكتبات الإسلامية في التاريخ الإسلامي من أعظم مكتبات العالم، بل أعظمها على الإطلاق ولقرون طويلة.

هذه هي إذن قيمة القراءة في الميزان الإسلامي، وهذه هي قيمة القراءة في تاريخ المسلمين. ومع كل هذا التاريخ، وكل هذه القيمة، إلا أن أمة الإسلام – للأسف الشديد – تعاني اليوم من أمية شديدة!! فنسبة الأمية التامة – عدم القراءة والكتابة أصلا – في الشعوب المسلمة تصل إلى 37%!!! 

إن مفتاح قيام هذه الأمة هو كلمة: ﴿ اقْرَأْ ﴾. لا يمكن أن تقوم الأمة من غير قراءة. لهذا كان أحد المسئولين اليهود يقول: " نحن لا نخشى أمة العرب، لأن أمة العرب أمة لا تقرأ ". وصدق اليهودي وهو كذوب، فالأمة التي لا تقرأ هي أمة غير مهيبة ولا مرهوبة.
مما سبق يتبين لنا أن لدينا مشكلتين رئيسيتين:
الأولى: أن بعض الناس لم يتعودوا على القراءة، ويملّون سريعا، وكلما علت همتهم وبدأوا في القراءة عادوا من جديد إلى الكسل والخمول. وهؤلاء في حاجة إلى وسائل تعينهم على القراءة وعلى الاستمرار فيها.
الثانية: فهي أن بعض الناس يقرأون فعلا، وينفقون أوقاتا طويلة في القراءة، ولكنهم لا يقرأون لهدف معين، ولا يعرفون ماذا يقرأون لتصبح قراءتهم نافعة ومفيدة. وهؤلاء في انتظار حسن التوجيه إلى الموضوعات الأكثر نفعا وفائدة .

إذا ما أراد المسلمين اليوم اللحاق بالركب – الذي كانوا هم قادته فيما مضى – فعليهم البدء كما بدأ أسلافهم العظام، بالقراءة والتدبر فيما يقرأون!! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق